الصين- ديب سيك تُزلزل أسواق الذكاء الاصطناعي وتتحدى الريادة الأمريكية.

المؤلف: حسين شبكشي10.14.2025
الصين- ديب سيك تُزلزل أسواق الذكاء الاصطناعي وتتحدى الريادة الأمريكية.

في عالم الاستراتيجيات العسكرية والاقتصادية، تتردد كلمات القائد الصيني القديم، صن تزو، كصدى عبر العصور: "اجعل خصمك في حيرة دائمة، ضلله، وفاجئه." وهذا بالضبط ما أتقنته الصين ببراعة في الأيام القليلة الماضية، مقدمةً للعالم منتجها المبتكر في مجال الذكاء الاصطناعي، "ديب سيك"، الذي انطلق لينافس بقوة عمالقة التكنولوجيا مثل "تشات جي بي تي"، و"جيمناي" من غوغل، و"كوبايلوت" من مايكروسوفت. ولكن، ما يميز "ديب سيك" هو دقته الفائقة، وفعاليته المتزايدة، وتكلفته المنخفضة، الأمر الذي أحدث هزة عنيفة في أسواق المال الأمريكية، خاصة في شركات التكنولوجيا المتقدمة التي شهدت انحداراً مذهلاً في قيمتها السوقية. السبب الجوهري وراء هذه الصدمة يكمن في الإعلان المفاجئ عن "ديب سيك"، إذ كان الاعتقاد السائد أن الولايات المتحدة الأمريكية تتربع على عرش الذكاء الاصطناعي، متفوقةً على جميع دول العالم، وعلى رأسها الصين، بفارق شاسع.

إنجاز "ديب سيك" الأهم هو تحطيم القاعدة الذهبية التي كانت تحكم الاستثمار في هذا المجال، والتي تنص على أن المزيد من الأموال المستثمرة يعني بالضرورة المزيد من التفوق والسيطرة. لقد استطاعت "ديب سيك" أن تقدم منتجاً بتكلفة أقل مع تحقيق فعالية أكبر بكثير، وهو ما أدى إلى تآكل قيمة شركة "إنفيديا"، عملاق صناعة الشرائح وأشباه الموصلات، التي تُعد بمثابة العمود الفقري لهذا القطاع الحيوي. لقد تمكنت الصين بذكاء من إيجاد طريقها للخروج من قبضة وسيطرة شركات صناعة أشباه الموصلات، وبناء سلاسل توريد بديلة، مما أتاح لها تحقيق هذا النجاح المذهل، والذي انعكس بدوره على شكل صدمة مدوية في أسواق المال الأمريكية.

بخطوات واثقة، تقلص الصين الفجوة التكنولوجية بينها وبين الولايات المتحدة الأمريكية، وتثبت لنفسها وللعالم أجمع أنه لا توجد شركة تقنية عصية على المنافسة. المنافسة ممكنة وقائمة، حتى في ظل الحروب التجارية، والعقوبات الاقتصادية، والإجراءات الحمائية الوقائية، والتكاليف الجمركية الباهظة. هذا النجاح يمثل تحدياً صريحاً لفرضية الريادة الأمريكية الأبدية في مجال الذكاء الاصطناعي. فهناك من يرى ويراهن على أن الدفة قد تغيرت بالفعل، وأنها تتجه بثبات نحو الصين، مركز الثقل القادم، وأن وادي السيليكون في أمريكا قد فقد زمام المبادرة الذي طالما احتكره.

قد يكون من السابق لأوانه إعلان نهاية الذكاء الاصطناعي في أمريكا، ولكن ما حدث يذكرنا بلحظة "سبوتنيك" السوفيتي، عندما فاجأ الاتحاد السوفيتي الولايات المتحدة الأمريكية بإطلاق قمر صناعي إلى الفضاء قبلها، مما أحدث صدمة سياسية وعلمية هائلة لدى الأمريكيين. الأهم من ذلك، يجب اعتبار ما حدث بمثابة جرس إنذار مدوٍ لقطاع الأعمال الأمريكي، مما سيفتح الباب أمام المزيد من الاستثمارات الطموحة لإعادة توسيع الفجوة التكنولوجية من جديد وترسيخ التفوق الأمريكي.

وكما قال الفيلسوف الصيني الشهير كونفوشيوس: "كم ضاعت أهداف عظيمة بسبب عدم التحلي بالصبر العميق!" يبدو أن الصبر والصمت هما أساس السياسة الاقتصادية الصينية في مجال التكنولوجيا الحديثة، والتي تعتمد على مفاجأة الخصوم بنتائج غير متوقعة، تماماً كما فعلت مع "ديب سيك".

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة